المرأة مرة أخرى

لم يعد يفكر في شأن قرينته، بل لم يعد يخصص ثانية حياته للتفكير فيه من شيء.. وكيف لا، فقد ذاق مرارة الرفض والإهانة، ورأى كيف كانت تزعزع معيشته برفضها خالصَ حبه زعزعة، ورأى كيف كان الهوان يتسرب إلى أعماق نفسه تسربا، فلم يعد يعرف من حياته إلا بالغ الحزن، ولم يعد يرى فيها إلا لاذع الندم.
فمنذ ذلك الحين أخذ الإهمال يترسخ في نفسه فينطبع، وأخذ الأسى يتمكن فيها فيسيطر، فهل هناك شيء أبغض إلى الحب ودواعي الحب إلا الإهمال؟!
أجل، لم يعد يبالي بالمرأة مهما يكن جمالها، ولم تعد تعجبه مهما يكن ذكاؤها، ولم تعد تجذبه مهما يكن خلقها، فهو إذن مؤمن كل الإيمان بما قاله الأبشيهي أن مما أجمع عليه حكماء العرب والعجم ألا يغتر أحد بامرأة مهما تكن.. على هذا المبدأ أخذ يستأنف حياته هذي الجديدة حازما معتزما.
على أنه لا يستطيع أن ينكر أنها كانت أحب الناس إليه، ولا يستطيع أن ينكر أنه كان معجبا بها ولها أيما إعجاب، ولا يستطيع أن ينكر أنه كان يجد في ذكرها نعمة لا تعبر، وفي مناقبها فخرا لا يباهى، وعند لقياها اضطرابا يوشك أن يكون محببا إلى نفسه فيتمنى تكرارها..
وما يزال في ذاكرته كيف كانت تفوح في نفسه بواعث الجد ومجامع القوة، وكيف كانت تملأ فضاءه بأجمل ما لها من وجه بهي وقلب تقي وخلق رضي، فلا الكلام يقدر على التعبير عنه حق التعبير، ولا الفعل يقدر على وصفه أتم الوصف.
على أنه لم يخطر بباله أن عهده الرائع بها لم يتجاوز إلا أياما قلائل، فانقلب حبه كرها، وإعجابه بغضا، ونعمته نقمة، وفخره هجاء، واضطرابه إهمالا. وفعلا، فإذا به الآن يكرهها أعظم الكره، وإذا ذكره إياها يؤذيه أشد الإيذاء، وإذا لذع الندم من الوقوع في حبها يلم به كل الإلمام.

مدينة البعوث الإسلامية، ٢٣ يونيو ٢٠١٥
أحمد سترياوان هريادي 

0 comments:

إرسال تعليق