في ذكرى مجلة الرسالة

وا رسالتاه!

لم يحزن الأدب العربي الحديث كما حزن لفراق «الرسالة» إياه إلى الأبد، ولم يفجع فجعا يزعزع حياته كلها، ثم يقعده عن أداء رسالته حق الأداء - كفعجه لموتها..

وكيف لا يحزن حزنه هذا، وأنى له لا يفجع فجعه هذا، فقد عاشت حياتها كلها لخدمته، فلم يجد فيها من تقاعس وتقصير، ولم يعرف منها إلا إخلاصا ووفاء في وقت تشتد الحاجة فيها إلى النفاق والخيانة، ولم ير فيها إلا عفة وإباء في وقت يستوجب فيه الوضعُ الضراعةَ والملقَ.

أجل، لقد حاولت «الرسالة» ما وسعها أن تبقى مقدامة في ميدان الجهاد الثقافي، وصامدة على قدم وساق في مكافحة الفتور الأدبي، وفي مناضلة الأمية الأدبية، وحاولت ما أتاحت لها قوتها أن تظل طامحة إلى تحقيق أهدافها الجليلة، وسائرة على دربها حتى تبلغ غايتها المنشودة؛ وغايتها -كما قال مؤسسها في عددها الأول بتاريخ 15 يناير 1933م- هي «أن تقاوم طغيان السياسة بصقل الطبع، وبهْرجَ الأدب بتثقيف الذوق، وحيرةَ الأمة بتوضيح الطريق».

ولكن لكل أجل كتابا، ففي 23 فبراير 1953م أصدر الأستاذ الزيات آخر عددها، وبهذا العدد فارقت «الرسالة» الدنيا إلى الأبد، وتحولت إلى الذكرى بعد أن ملأت الدنيا وشغلت الناس.

لقد شاهد الناس كيف ظهر على منبرها عباقرة الأدباء، وجهابذة النقاد، وفحول الشعراء. ووجدوا في ظلالها كيف ارتبط القديم بالحديث. وعرفوا من خلالها ما كان للشرق من صلة متينة في الحياة الأدبية والفكرية بالغرب.

منها جمع الأدباء مقالاتهم فكانت كتبهم الشهيرة، والشعراء أشعارهم فكانت دواوينهم النفيسة، وحسبك أن ترى الأدب العربي الحديث قد بلغ بسببها أعلى ما يسع الأدبَ أن يبلغ، ونال بفضلها أوفر ما يمكن الأدبَ أن ينال. 

مدينة البعوث الإسلامية، 30 يناير 2015م

أحمد سترياوان هريادي

0 comments:

إرسال تعليق