كواكب الفصحاء وعزة الأزهر

إن صمود مركز كواكب الفصحاء مؤسسه ومشرفه وسائر أعضائه أمام هذه الصعاب المتشعبة، في زمن غير قصير، وفي وضع غير يسير، ليبدي لنا ما له -إن شئت فقل: ما لهم- من إخلاص لا يجارى في خدمة لغة القرآن، ومن همة لا تباهى في السمو بها.. أضف إلى ذلك أن ليس لهم من رأسمال إلا صدق إخلاصهم وعلو همتهم.
اللهم إذا قسنا بشدة عزوف العرب عن الاهتمام بها، وبالغ عنايتهم بتوافه الأمور؛ ليضطرنا إلى أن نقطع بأن الدهر بدأ يعود إلى سيرته الأولى، وبأن العربية عادت تفرح، لأن فجر عزتها بدأ ينبثق على أيدي هؤلاء الوافدين النابغين، وبأن زمام أمور العربية ليس بيد أولئك العرب الكسالى، وإنما بيد هؤلاء الوافدين المهتمين بها دراسة وتأليفا، ممارسة وإتقانا.
إن وجود مركز كواكب الفصحاء ليس عزة للعربية وحدها، وليس فخرا للوافدين أنفسهم، وإنما الفخر والعزة لهذا المعهد العريق الأزهر المعمور، فوجود مركز كواكب الفصحاء لسان ناطق وبرهان ساطع على أن الأزاهرة ما يزالون في الطليعة، وما يزالون مستحقين كل الاستحقاق بإمامة الأمة في العربية مهما تكن طبقاتهم، ومهما تكن أصولهم.
لقد سمعت قبيل سفري إلى بلد الأزهر طلبة معهد العلوم الإسلامية والعربية بجاكرتا -وهو فرع جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض- يسخرون من خريجي الأزهر الإندونيسيين، فقال لي أحدهم: لقد رأيت جمهرة من خريجي الأزهر، فإذا هم عاجزون أيما عجز عن إجادة العربية محادثة وكتابة، فالمعهد إذن أحسن من الأزهر، والمعهد إذن أليق بالسير إليه من الأزهر، ألا ترى يا صديقي أن طلبة المعهد أقدر على المحادثة وعلى الكتابة من هؤلاء المتخرجين في الأزهر! اهـ.
على أني لم أكن أستطيع أن أقول له شيئا، وأنى يكون لي ذلك فإني لم أكن أرى من الأزهريين من يريه أن ما قاله هذا بعيد عن الصواب كل البعد، وأن ما قاله هذا تجاهل بدور الأزهر أتم التجاهل في المحافظة على لغة التنزيل نقاءها ورونقها منذ أكثر من ألف سنة، وأن ما يراه من مدعي الأزهر ليسوا من الأزهر في شيء.. لماذا؟ لأن الأزاهرة الحقيقيين ما عرفوا إلا بتمكنهم البالغ، وإلمامهم الفائق بلغة القرآن وآدابها.
ولله در أخي محمد الأمين مغاسوبا الغيني عندما يقول مخاطبا الأزهر:
لقد عشت ألفا للأنام معلما * وكل فنون العلم تجني وتعصر
وقد كنت بل ما زلت صرخا مخلدا * تخرج أجيالا، وجيلا تحضر
أخذت من اليونان أنفس علمها * وأنفع علم الشرق كنت تمصر
وتصنع من خام التراث حداثة * تنقح منه غثة وتحور
فهديك بدر كيفما سار سائر * فأنواره تهدي السراة وتعبر
فالأزهري إذن لا بد أن يخجل من أزهريته عندما يرى نفسه مقصرة في الاهتمام بالعربية إجادة وممارسة، والأزهري إذن لا بد أن يستحي من الناس عندما يشرح لهم كتاب ربهم وسنة نبيهم، وهو عن لغة الكتاب والسنة غافل مسرف في غفلته، وبها جاهل مغرق في جهله.
فالأزهري إذن محتاج إلى ميدان رحيب فيه يتدرب على إبداع ضروب المنظوم، وإنتاج صنوف المنثور.. والأزهري إذن محتاج إلى مجال فسيح فيه يتمرن على فنون الإلقاء من خطابة وحوار.. والأزهري إذن محتاج إلى زملاء صادقين مخلصين للعربية، يتعاونون ويتداعمون معه على السمو بالعربية.
ذلكم مركز كواكب الفصحاء، ميدان فسيح لهذا وذاك، ومجال رحب لهذه وتلك.. فيه طلبة ذوو همم عالية، وأقدام راسخة، وفيه شباب لا يؤمنون بالمحال مهما يكن، ولا يعترفون بالملل مهما يكن، لا يهمهم في كل وقت وحين إلا السير على دربهم، ولا يعنيهم من شيء أبالغون هم الغاية أم غير بالغين، وفيه أزهريون حريصون على الإسلام والعربية كل الحرص، ومقبلون على الاستفادة والانتفاع من غيرهم كل الإقبال.

جامع عمرو بن العاص - مصر القديمة، ٧ نوفمبر ٢٠١٤م
أحمد سترياوان هريادي

0 comments:

إرسال تعليق