المرأة الحمقاء

هناك امرأة قليلة الحظ من الوسامة، ولم يكن لديها شكل ممتع لمّاع تستميل به نحوَها انتباهَ الشباب، إلا أن هذه المرأة -فيما يبدو لي- قد أوتيَتْ حظا من الذكاء، فانتهزت في اللقاءات والندوات فرصة ليطّلع الحاضرون على علمها وسعة اطلاعها فأحبَّت الظهور وأكثرتْ من السؤال، واستعانتْ بملبسها المهيب الدال في بعض الأحايين على استقامة السلوك، وبمقدرتها على صناعة الكتابة، فتبدو فيما بعد أمام جموع من الشباب «امرأة ذكية عالمة واسعة الثقافة ذات خلق رضي»..
وأنا حينئذ بدأت أنظر إليها بنظرة الإعجاب والإجلال، ولا تعنيني قلة وسامتها من شيء، وأنشأت أتيقن أن وصف الناس لها بالذكاء والعلم وسعة الثقافة وسمو الخلق؛ قد رفعها عن كل ما تتعرض له معظم النساء من الدنايا.. فخُيِّلَ إلي أنها ستصبح زوجًا برَّةً كأبرِّ ما تكون الزوج، فلا تفشي سرائر زوجها، ولا تغتابه مهما تكن الظروف، فلِسانُ حالها تجاه زوجها في كل وقت: «السمع والطاعة»..
لكني بعد ذلك تبيّنتُ أن تلك الأوصاف لن تستطيع أن تكون ضمانا لصلاحها وإن صلحتْ فعلا، تبيّنتُ أن المظاهر التي تشير إلى استقامة السلوك ونقاء السرائر؛ ما هي إلا خدعة أيما خدعة..
فإذا هي في حقيقتها لم تفارق قرائنها إلا في مظهرها، وما يستوجب هذا المظهر من تصرفات تبدو -في نظري- مَلْأَى بالتصنع، ذلك إما خوفا من القيل والقال، أو حرصا على حسن السمعة، أو فخرا بما عليها من مفارقة قرائنها..
وإذا هي وقرائنها سواسية في أنهنّ لا يُؤْتَمَنَّ على أمر من الأمور، سواسية في أنهن يغتررن بالمظاهر والأشكال، سواسية في أنهن ينطبعن على الأنانية الباغية، سواسية في أنهن يتّسمن بالكيد والمكر والغرور..
وأيا ما كان الأمر فإن هذه المرأة في حقيقتها حمقاء لأنها ذات وجهين، فهي بين يديَّ غيرُها في غيابي، وكلماتها بين يديّ غيرها في غيابي..   

مدينة البعوث الإسلامية، 18 أغسطس 2014م
أحمد سترياوان هريادي

0 comments:

إرسال تعليق