عن المحبة

بقلم: أحمد سترياوان هريادي

 لم يكن يخطر ببالي أني في يوم من الأيام سأدنو من حديقة واسعة حضراء، حيث تتفتح فيها زهور المحبة، وتفوح منها عطور الشوق. ولم يكن يخطر ببالي أن فتاة ذكية عالمة واسعة الثقافة ذات خلق رضي، ستأخذ انتباهي فتملأ عيني إعجابا وقلبي حبا. ولم يكن يخطر ببالي أن هذا القلب المتجمد سيذوب قليلا قليلا من انبساط نورها الذي أنار سمائي وملأ فضائي.   
وأنشأت أحس بأن لا  شيء من حياتي أجدر للبقاء في ذاكرتي، إلا حين أقدر على التعبير عما في كياني من محبة عامرة، وحين أعبر عنها بطريقة خاصة ألهمنيها السماء، فشعرت بأنها جعلت لي وحدي.. فمنذ تلك اللحظة طفقتُ أشعر بأن حياتي غير الحياة التي عايشتها، ونفسي غير النفس التي عاشرتها، وأخذت أنظر إلى الكون كله، فإذا هو يغدو أنيسا رؤوما بعد أن كان جامدا مخيفا. ومنذ تلك اللحظة وجدت الكلمات تتورط أمام بحار المعاني فآثرت الصمت، والحركات لا تجدي من شيء فآثرت السكون. ومنذ تلك اللحظة عرفت بأن الصمت أبلغ من ألف كلام البلغاء، وعرفت بأن المسافة لا حقيقة لها لمن كان قلبه بالشوق والمحبة عامرا.
أجل.. وجدتُنِي كأنما أولد من جديد، في عالم جديد، بقلب جديد، وبشعور جديد.
إن سحرالمحبة قد أخذ بيدي فذهب بي إلى مكان غريب لم يكن لي به عهد، إلى مكان فسيح لا يعرف فيه القلق والاضطراب إلى كياني سبيلا، إلى مكان رحيب رَوْعَتُهُ تضطر لساني إلى العجز عن وصف مزاياها، إلى مكان ينبثق فيه فجر الرجاء والأمل، إلى مكان تأخذ الأجساد فيه تتحجر، والأرواح فيه تتحدث.. ما هذه الغرابة يا ترى؟ وما هذه الحالة العجيبة؟
لقد انقلب الوجود حيا يسعى، فيواسي وحشتي، ويؤانس غربتي، فلا الكآبة في نفسي تبقى، ولا الكمد في صدري يطغى، وبدأت أحس بأن ظلام الانفراد قد انقضى، وفجر الفرح قد انجلى، وبدأت أصغي إلى خرير السواقي، وحفيف الغصون، وتغريد العصافير، إذا تتولد منهن نغمات الوجود العذبة.. فكأن هذا الشعور النقي يطير بي إلى عالم علوي حيث الأنس والشفوف، وحيث الرضا والاطمئنان.
وخيل إلي أن هذا العالم العلوي لا يخلق لأناس قد صدتهم عنه أهواؤهم الطافحة، وعاقتهم عنه مطامعهم الجامحة. فهم أناس لا يهمهم شيء سوى إشباع رغباتهم البشعة، وغرائزهم القذرة، وعلى ذلك فقد حجزهم عن تذوق الجمال انحراف فطرهم، وحرمهم عن رؤية الجمال ارتكاس أذواقهم، فلا يرون من المرأة إلا حرثا لشهواتهم الجارفة، وخلقا لا يملك من نفسه شيئا. ولا يفهمون من المحبة إلا كلمة جافة تستغل لإخضاع قلوب النساء..

بيت الطلبة الإندونيسيين من بالي ونوسا تنجارا بمدينة نصر، 10 من يوليو 2014م

0 comments:

إرسال تعليق