همومي في النهاية الدراسية

من مستلزمات الحياة أن تزيد العوائق تبعا لزيادة الأقدار والأعمار، فكلما يزيد طول الشجرة، تزيد الرياح شدة، وقمة الشجرة ضعفا، ولعل إمكانية الانكسار، وفظاعة السقوط، أقرب ممكنات لها وأجلها، أما أن تبقى صامدة على ما كان فقَلَّ وندر.
كذلك أقدار الإنسان وأعماره..!
ومن هنا تجلى بهذه المستلزمة من عاش على مبادئ، ومن عاش كسيلان الماء، وتحقق مدى اصطبار المرء وقدر عزمه، فيُعرَف من سعى لاستحقاق أمنه الفردي ومطامعه النفسية متملقا، ومن سار على درب مبادئه حازما، ويُعرَف من تعنيه صغائر الأمور وتوافهها، بدل أن يشغل نفسه بعظائم الأمور ويعاني في سبيلها، ولعل هذا ما قصده المتنبي عندما يقول:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ * وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ  
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها * وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
وفعلا.. يفيض دائما على نفسي -وأنا في السنة الأخيرة بالأزهر-  شيء من الذهول، ويتغلغل في قلبي شيء من الحيرة، ويشتد الذهول فيضا والحيرة تغلغلا عندما أحاول أن أطيل النظر، وأستدرك «ماذا أنا كائن غدا؟» و«ماذا أنا فاعل؟»، إلا أن «ماذا بعد تخرجي في الأزهر؟» لعل أكثر تضييقا لصدري.
صحيح أني على وشك النهاية الدراسية الجامعية، وصحيح أني مصاب بالحيرة الباغية، وما أشقها علي! ذلك أن شعور الندم راقص فرح عندما أستجلي حقيقة نفسي، فَاجْتَلَتْ نفسي ضعيفة الشخصية، ضحْل المعرفة، قصيرة النظر، سطحية الفكر، قليلة القراءة، ضيقة الثقافة، ضئيلة العزم، ذميمة الخلق.. لكن الأنكى والأبشع مما سبق أنه لم يكن لدي شيء من القرأن الكريم والحديث النبوي، فضلا عن فهمهما فهما صحيحا.
والسؤال المطروح: ما هذا الذي فعلته خلال سنوات ثلاث في بلد الأزهر؟ ما أشد هذا السؤال عليَّ! وما أوجعه! فها أنذا مرتبك في حديثي عندما أحاول إجابته، وفعلا.. لم أقدر على إجابته، وكثيرا ما أفر منها، فلم أَعِ أن الواجبات لأكثر من الأوقات المتاحة، وأن تخطيط الأولويات لأنسب أنواع الحل حتما.
لكن الزمان يمضي وأنا باقٍ على سيرتي الأولى متحجرا متجمدا، متجاهلا شأني، لا يفيدني وجودي في بلد الأزهر، ولا يزيدني التحاقي بالأزهر العتيق علما وخلقا وثقافة، بل يشغلني ما لا يأتي بفائدة، لا من قريب ولا من بعيد، ويعنيني توافه الأمور فأتوغل فيها.
ومن ثم، فهل يصح أن توضع الأزهرية على ظهري بعد تخرجي، وأنا لم أكن على شيء من نهج الأزاهرة الشرفاء علما وثقافة وسلوكا؟! فاشتد عليَّ الهم والغم، وتبين لي خسراني في معركة الحياة، وأصبحت في قافلة الحياة من المتروكين، ما أغنى عني عقلي وشبابي، فظهر مني شخص طفولي الفكر، شيخوخي التصرف، بهيمي المعيشة.. فوا أسفا علي!
يا ويلتي! ليتني كنت واعيا فسعيت جاهدا لإصلاح شأني وتقويم نفسي!

مدينة البعوث الإسلامية، 5 فبراير 2014م
أحمد سترياوان هريادي

0 comments:

إرسال تعليق