قال عمر بن الخطاب

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن

قال حكيم من الحكماء

أربعة توصل إلى أربعة: الصبر إلى المحبوب، والجد إلى المطلوب، والزهد إلى التقى، والقناعة إلى الغنى

قال زيد بن علي

ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه

قال أحد الأدباء

مهما يكن احتفالنا بيوم الفراق، واغتباطنا ساعته؛ فإن الفراق لا بد أن يترك فيما بعد كما هائلا من الوحشة

قال حكيم

كن بعيد الهمم إذا طلبت، كريم الظفر إذا غلبت، جميل العفو إذا قدرت، كثير الشكر إذا ظهرت

حديث الإنسان

بقلم: أحمد سترياوان هريادي
طالب الفرقة الرابعة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر
علمتْنَا الحياة أن الإنسان من حقه أن يسمو بعقله ناجما، ويحيا بإنسانيته سيدا، ويطير بفطرته معاشرا الكونَ طليقا، ولا ينحني وجهه إلا للواحد القهار. وعلمتْنَا الحياة أن الإنسان عليه أن يعيش رحمة، ويسعى مصلحا، ولا تنبني تصرفاته إلا على أساس من العدل.
أجل.. إن الله هيأ لنا كل أسباب السيادة في الكون، وبسط لنا كل أسباب الرقي فيه، وزودنا بشريعة نبصر بها الصراط السوي فنسير عليه، ووعدنا الجنة مصيرا فنطرح العوائق في سبيله.. ومن هنا، ما أبسط حياة الإنسان! فهو في الدنيا -كما قال الأستاذ الإمام محمد عبده- «عبد الله وحده، وسيد لكل شئ بعده»؛ وأما في الأخرة فهو في فرح مؤبد وسرور مخلّد.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
هذا إذا نظرنا إلى حياة الإنسان إجمالا، أما إذا نظرنا إليها تفصيلا، فما أعظم العواعق التي تحول بين الإنسان وبين مصيره! وما أكثرها! وما أصعبها! ومع هذا، فإن الحياة تبدي لنا من حياة الإنسان وجها غير ما علّمتْه؛ فوظيفة الحياة الابتلاء، لأن الله جل شأنه لم يخلق الموت والحياة إلا ليبلونا أينا أحسن عملا، ومن الابتلاء يتم التعليم، ومن التعليم تكتمل الإنسانية بما فيها من قلب يفقه الإنسانُ به، وعين يبصر بها، وأذن يسمع بها.
فهذا هو الإنسان الذي لا يرتضي لنفسه عيشة الإنسان الحقة، فقد أولع بإخفاق دائمٍ في تدريب شيء مركوز في طبعه من الإرادة التي -كما قال الأستاذ سيد قطب- «يضبط بها رغباته وشهواته»، وهذا الإخفاق يستوجب استيلاء رغباته وشهواته عليه جملة وتفصيلا، فيصبح محكوما بها لا حاكما لها، وضروري أن هذا مما فطر الله عليه الحيوان، فهَمُّه الأول والأخير من حياته إشباعُ الرغبات والشهوات ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وما حياة الإنسان عن حياة الحيوان ببعيدة، إذ لو عرض على الإنسان شيء من الولاية والجاه؛ انحط ماجنا، وانهار عابدا، وانحبس جائعا، وانقلب عدله ظلما، وإصلاحه فسادا، ورحمته قسوة؛ فالكل منوط ومسيطر تحت سلطاني الولاية والبطن، وأضحى الإنسان مملوكا لرغباته وشهواته، فليس هناك عقل مرجح يميز به ما له وما عليه، ولا فطرة سليمة تشيره إلى دفع هبوط الجنس الإنساني عن نفسه. وعلى هذا، فإنه من الصعب العثورُ على شيء يفارق هذه العيشة من عيشة الأنعام..
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
فوا عجبا من الإنسان! يتخلى عن إنسانيته فيرضى الانحدار فطريا وخُلُقيا إلى أحط الدركات، ومن قبلُ عقد ربه حفلا مهيبا بميلاده في الملأ الأعلى، وكان الخلق أجمع له شهودا، وتولى الله تعالى تعليمه الأسماء كلها، وأسجد الوجودَ له تكريما، وأعلن سيادته في الأرض، وجعل الكون له عونا في هذه السيادة؛ من تسخير الله تعالى له ما في السماوات وما في الأرض. ومكّنه الله تعالى في جنته ليتعلم درسه الأول، ويستدرك حقيقته الكامنة التي لم يكن يعلمها، قبل أن يتولى خلافة الله في الأرض؛ ألا وهو ضبط النفس عند حد، واستجلاء ما له من عدو لدود، وابتداء المعارك الطويلة في جولات لا يعرف منتهاها إلا علام الغيوب..
﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
ما أنفس هذا الدرس! وما أوقعه في النفس! عاد إلى نفس أبينا أدم عليه السلام وعيه ورشده بعد أن استعلى عليه رغباته الملحة وشهواته الدافعة، فنسي ما نهاه عنه ربه من الاقتراب من الشجرة، ثم فاض عليه شعور ما ارتكبه من الخطأ والغفلة، فأقبل إلى ربه رافعا يديه إلى السماء فهتفه في ضراعة: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين﴾..
انكشفت له بهذا الدرس حقيقته النفسية من أن طبيعته قابلة للخير والشر، وأن اللجوء إلى الله والاستماع إلى نبضات القلب الصافي يُلجِئانه إلى الخير، وكذا اللجوء إلى الهوى واتباع الشيطان لا يؤديان إلا إلى الهلاك المهيب والشقاوة الأبدية..
هذا هو درس نفيس يتعلق بالإنسان مع نفسه، أما ما يتعلق بالإنسان مع أخيه الإنسان فإنه ابتدأ بعد هبوط سيدنا أدم عليه السلام إلى الدنيا، وما قصة ابنيه إلا نقطة البداية له، فلو سردنا لك القصة كلها بما فيها من عبر وعظات، لطال بنا القول. وأيا ما كان الأمر، فإن الحياة علمتنا أن القاعدة الأساسية في كيفية التعامل مع أخينا الإنسان هي معاملة غيرنا كما نحب أن نعامل بها.
وهذه القاعدة -على بساطتها وسذاجتها-صعب عسيرة الإنفاذ، ففي سبيل إنفاذها وقفت الأنانية مانعة، والكبرياء حائلة، والضغينة حاجزة. ومع هذا، فإن هذه القاعدة تنغمس بها كل أسباب التفارق، وتنغرق بها كل أسباب التحاسد، وتنحط بها كل أسباب التباغض، وتنطمس بها كل أسباب التحارب. 
ها نحن أولاء حاليا بعد مرور العصور والأزمان منذ لحظة تلقى فيها أبونا أدم عليه السلام درسه الأول. لقد انتشر بنوه في كل بقاع العالم، كما مرت بهم حوادث شتى يقطفون منها درسا بعد درس يبصرهم الحق من الباطل في الاعتقاد، والصواب من الخطأ في الفكر، والخير من الشر في التصرف. فهذا قوم نوح وذاك قوم لوط، هذه عاد وتلك ثمود، هؤلاء أصحاب الأيكة وأولئك أصحاب الرس..
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيْرُوْا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوْا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِيْنَ﴾.
إننا لفي غنى بهذه العبر والعظات، ولكن العجب العجاب أننا متجهون نحو التخلي عن إنسانيتنا السامية المكرمة، ومولعون بما ننحط به فطريا وخُلُقيا إلى أحط الدركات، فنرتضي الخنوع إلى ما أسفه منا من الحيوانات والجمادات، ويسرنا ظلمُ أخينا الإنسان والفسادُ في الأرض، ويغرينا التفطرُ بفطرة الحيوان والتطبع بطبيعته من حب تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من الحياء من الله تعالى ومن الناس، فليس هناك شيء أعجب وأغرب لأصحاب الفطر السليمة من رؤية العري جمالا. وهكذا..
وهناك شيء لا يقل عجبا.. ألا وهو اتخاذنا الشيطان العدو اللدود خليلا، وقبله أقسم هذا العدو أمام الله تعالى على وقفه بالمرصاد في الحيلولة بين الإنسان وبين صراط الله المستقيم: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين﴾.
أجل.. إن الشيطان جعل الله شهيدا لهذه العداوة الضارية، فما بالنا نجحدها فنجعله خليلا؟! نُقبِل على ما يدعونا إليه من الجحد بالله، وتأليه الهوى، وإخلاء الإنسانية، وتلبية الرغبات، والرضا بالجهل. بل هناك طائفة تسمى «الشيطانية» في الغرب تتخذ الشيطان إلها، وتهتدي بهديه، وتستن بسنته. وقامت هذه الطائفة بجحد التدين عامة، وهدم شعائر الديانات خاصة، فاتخذت كل وسائل تمكنها في نشر الرموز الشيطانية، والطقوس الطائفية لتهيئة مجيئ المسيح الدجال سيد شيطان الإنس.
وا أسفا عليك أيها الإنسان! ما هذا الجنون! ما هذا الانتكاس الخَلقي!
نعم، لقد منحنا ربنا إرادة وقدرة نقود بهما أنفسنا إلى السعادة المخلدة أو إلى الشقاوة المؤبدة، وعلم ربنا أن الفطرة وحدها لا تُطيق إبصارنا الحق، وأن العقلَ وحده لا يسع قيادة الحياة العدل، فأرسل إلينا رسولا نهتدي بهديه، وأنزل إلينا كتابا نحتكم بحكمه. فهل علينا إلا السير على نهج نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لتسمو به إنسانيتنا، وتنجلي به سيادتنا في الكون، وتتحقق به الجنة مصيرنا؟!
والله أعلم!
مدينة البعوث الإسلامية، 25 من نوفمبر 2013م / 20 من المحرم 1435هـ