قال عمر بن الخطاب

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن

قال حكيم من الحكماء

أربعة توصل إلى أربعة: الصبر إلى المحبوب، والجد إلى المطلوب، والزهد إلى التقى، والقناعة إلى الغنى

قال زيد بن علي

ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه

قال أحد الأدباء

مهما يكن احتفالنا بيوم الفراق، واغتباطنا ساعته؛ فإن الفراق لا بد أن يترك فيما بعد كما هائلا من الوحشة

قال حكيم

كن بعيد الهمم إذا طلبت، كريم الظفر إذا غلبت، جميل العفو إذا قدرت، كثير الشكر إذا ظهرت

المرأة المنتظرة

بقلم: أحمد سترياوان هريادي
 
أبتْ يدي أن تكتب حاليا إلا في المرأة، وكيف لا فقد همني ذكرها، وما اليد إلا معبرة عما يجول في رأسي، ولا تسلني عن علتها، فقد طال جفاء القلب، وشعلت نار الرغبة في معرفة مَن هي الرفيقة المجهولة الأبدية، فقد زاد قربي من فراق الحياة ولم يزد قربي من تلك الرفيقة ولو شبرا، ولا يزال شأنها مجهولا غامضا، وفاضت على حياتي دُجية شبحها، فأضحت الحياة قحولا ما أغنى عنها ماء يشرب، ولا طعام يؤكل، ولا زينة يتزيّن بها.
ما أكثر المرأة في هذه الحياة! فها هي ذي مصرية وتلك تركية، ثم هذه فارسية وتلك صينية، ثم هذه روسية وتلك أمركية، ثم هذه ملاوية وتلك هندية؛ فما أكثر أجناسها! وما أغنى هذه الدنيا بها! فكم قد رأيت من أجناس المرأة، إما في الشوارع أو في المطارات أو في المحطات أو في الأماكن السياحية؛ فلا تزيدني رؤيتها إلا اعترافا بعظمة الخالق، وبراعة تصويره جل جلاله. لكن ما هذه ولا تلك بباقية فأنا ببقائها عندي مستريحٌ من فتنتها الباسلة، وما ملاقاتي إياها في أماكن شتى إلا وجمالها الساحر راقصٌ فرحٌ في القلب فيزعزع اطمئنان النفس واستقرار الهيئة.
ما أشد خداعكِ أيتها المرأة! فكم كنتُ منخدعا بسبب جمالكِ الفاتن، وهيئتكِ البرّاقة، وصوتكِ العذب؛ فما جاء الليل بعد إلا ويزداد جمالك فتنة، وهيئتكِ بروقا، وصوتكِ عُذوبة. وما أكذبك أيتها المرأة! فكم كنت متمنِّيا مجيئَكِ فتلوحينَ سعادة باسمة، وتذهبِينَ عني شقاء المعاش، لكنك ما جئتِ إلا لتتركينني فيما بعد فريدا فتضاعف ظلام الآلام وتجمّع سحاب الآمال.
ألا تدرين أيتها المرأة أننا -معشر الرجال- مُبتَلوْن بكِ في هذه الحياة الدنيا جملة وتفصيلا؟! وما أصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما يقول: «مَا تَرَكتُ بَعدي فِتنَةً أَضَرّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ». فلماذا أحببتِ أيتها المرأة أن تشددي علينا، فأظهرتِ ما أمركِ الله تعالى به ستره، وأنشأتِ في نفوسنا مباني الآمال الشامخة؟!
إنكِ لتعرفين حقا -أيتها المرأة- أنه ما أنا بقادر على التخلي عما فطرني الله به من الميول إليكِ، حتى أدفع عني شروركِ الحاسمة، فقد قال ربي عز وجل: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآب﴾. إذن، أين الملجأ أيتها الرأة؟! لقد ملأتِ بسحر جمالكِ وروعة جسمكِ وبُعد صيتكِ زوايا الحياة جمعاء، وقديما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لا تأمننَّ من النساء ولو أخاً ** ما في الرِّجالِ على النِّساءِ أَمِيْنُ
إِنَّ الأَمِيْنَ وإِنْ تَعَفَّفَ جُهْدَهُ ** لا بُدَّ أَنَّ بِنَظْرَة ٍ سَيَخُونُ
القبر أوفى مَن وثقْتَ بِعهْده ** ما للنِّساءِ سِوَى القُبورِ حُصُونُ
أجل.. إنكِ لتضحكين مبتهجة على نفسي بما تصرخ من أسًى، وما تعانيه من اضطراب، وما توالت الأيام إلا وشددتِ عذابكِ على هذه النفس الضعيفة البائسة، وما دريتِ أنتِ شيئا من رنين بكائي في دياجي الليالي، ولا لفتِّ نظرَكِ إلى النفس التي دمّرتِ كل التدمير، وها أنا ذا مرتبك في حديثي، لا يغريني جبل من ذهب، ولا بحر من النعم؛ فقد تطاولتِ عليّ أيتها المرأة القاسية.
لكن ما هذا ولا ذاك بقادر على أن يجعلني ميّتا وأنفاسي لائحةٌ سيماءَ الحياة، وإني لظلّام نفسي إن خطر على بالي اليأس من رَوْح ربّي، فقد نهاني ربي عن ذلك عندما يقول على لسان نبيه يعقوب عليه السلام: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾؛ ولله درُّ شيخي الإمام محمد سيد طنطاوي عندما يقول مفسرًا هذه الآيةَ الكريمة: «أما المؤمنون فإنهم لا ييأسون من فرج الله أبداً، حتى ولو أحاطت بهم الكروب، واشتدت عليهم المصائب».
أجل.. إني -أيتها المرأة- لمعترِفٌ بعظمة فتنتك وشدة بلائك، فكم من رجال ذوي المناصب الرفيعة في العالم أجمع انخدعوا من أجلك، فأصبحوا أذلاء شائهين، ما أغنى عنهم أمجادهم في الماضي، ولا حسناتهم من شيء؛ لكن ما ربي بغافل عن الحل، فقد أوصى المؤمنين بقوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾؛ ولا الحبيب صلى الله عليه وسلم أيضا بغافل عن وصية أمته إذ قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ».
النكاح.. إن أنسب الحل لي لَنكاحٌ، لكن مَن أنا؟! وأنَّى يكون لي ذلك؟! فما أنا إلا طالب جامعي مسكين من جزيرة سياحية صغيرة تسمى «لومبوك» في إندونيسيا، ولم يكن لديّ نسب رفيع أفتخر به، ولا شكل ممتع لمّاع أستميل به وجوه الناس، ولا مال وفير أستقرب به الناس قاطبة، ولا مهنة تقوّمني عندما أكون صاحب الأسرة، بل ولا سكن ثابت يحميني أنا وامرتي من حرارة النُّهُر وبرد الليالي؛ اللهم شتان بيني وبين النكاح.. اللهم ذلك شيء لا سبيل لي إليه حاليا مهما كانت الظروف..
فكيف يمكن فيما بعد أن يكون الكلام عن خصائص المرأة المرجوة سانحا، وأنت ترى ما أنا عليه حاليا؟! إنه لحديث الأحلام يا أخي.. لكنني معتقد كل الاعتقاد أن هناك امرأةً خلقها ربي لي لتكون رفيقة وفيَّة إلى الأبد، نستجمع آمال المستقبل فنبذل أقصى جهودنا لتحقيقها، ونبنى أسرتنا على هيئة مثّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تجمّع فيها إيمان راسخ وتقوى وتواد وتراحم وتكافل، ونسترضي ربنا في كل تصرفاتنا العلمية والعملية ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
لكن أين هي حاليا؟ وما شكلها؟ ومن أي جنس هي؟ اللهم لا علم لي بها من شيء.. وأيا ما كان الأمر، فإن شأنها لا يزال مجهولا غامضا، بيد أن نفسي في حاجة ماسة إليها، فحضورها بين يدي راحة للقلب، واطمئنان للنفس، واستقرار للهيئة. فوجودها عندي تخفيف لما أصابني حاليا من غوغاء فتن المرأة البشِعة؛ ما أحوجني إليكِ أيتها الرفيقة! أسأل الله أن يمَلّ عليكِ -أيتها الرفيقة- غيابُكِ فخلفه حضورُكِ.
هلمي إليّ أيتها الرفيقة! خذي بيدي واذهبي بي إلى مكان يلوح لنا سعادة باسمة، وتفوح منه عطور الرخاء، وتتفتح فيه زهور التقوى.. اللهم آمين..
والله أعلم! []

بيت طلبة إندونيسيا من نوسا تانجارا وبالي بالحي العاشر، 1 من شوال 1434هـ