قال عمر بن الخطاب

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن

قال حكيم من الحكماء

أربعة توصل إلى أربعة: الصبر إلى المحبوب، والجد إلى المطلوب، والزهد إلى التقى، والقناعة إلى الغنى

قال زيد بن علي

ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه

قال أحد الأدباء

مهما يكن احتفالنا بيوم الفراق، واغتباطنا ساعته؛ فإن الفراق لا بد أن يترك فيما بعد كما هائلا من الوحشة

قال حكيم

كن بعيد الهمم إذا طلبت، كريم الظفر إذا غلبت، جميل العفو إذا قدرت، كثير الشكر إذا ظهرت

الإنسان والمصلحة

شعرت بشيء من الدهشة والإعجاب عندما أخبرني أحد الموظفين في السفارة الإندونيسية بالقاهرة الأستاذ محمد نور سليم، أن الفكرة الأساسية التي يسير عليها الدبلوماسيون في شئون العلاقات الدولية هي: «التيقن بأنه لا يوجد على ظهر الأرض شيء مجان».
ثم تأملت مليا، فوجدت قوله في غاية من الصدق، إذ كل التصرفات الدبلوماسية تنبني على ما هي أصلح للدولة، فالعطاء والاستلام بين الدول أساسها المصلحة، وكذا في حالتي السلم والحرب؛ وفكرة «الأخذ بقدر العطاء» تتمثل جلية فيما رأينا حاليا من تصرفات الدول في العالم، ولنسق لك مثالا للتمثيل على ما نقول.
ففي الآونة الأخيرة نجد «أمريكا» مثلا، فمن يتأمل تصرفاتها السياسية في دعمها «كوريا الجنوبية» الرأسمالية الأيديولوجية مالية وعسكرية، بإزاء محاولة شقيقتها «كوريا الشمالية» الاشتراكية الأيديولوجية الهجوم عليها بالأسلحة النووية، التي دعمتها «الصين» -الدولة المعروفة حاليا بأكبر اقتصادها في العالم- في أوائل إبريل ٢٠١٣ م.
أو في دعم «أمريكا» «اليابان» تجاه «الصين» بسبب النزاع الحدودي، المشير إلى إشعال نار الحرب بينهما؛ يتجلى له بوضوح ما نقصد من فكرة «الأخذ بقدر العطاء»، فـ«أمريكا» تحاول قدر طاقتها الإحقاق والإظهار، بأنها هي الشرطة الوحيدة في العالم -بزعمها-، التي تحافظ على العالم أمنه ورخاءه.
وبعد، فذلك أحد النموذج ما يتعلق بالإنسان والمصلحة، سقناه لك استهلالا لكلامنا بيد أن هناك ألوفا من النماذج الأخر التي أهملناها لضيق المقام.
فدُنوٌّ في الفكر وضعف في العقل لو خطر على بالك فكّ الإنسان عن مصلحته، إذ الإنسان بإزاء المصلحة كذَوَبان السكر في الماء، ومصلحة الإنسان -مع عدم انفكاكها- تتجدد يوما بعد يوم كتجدد الأيام؛ إلا أن المصلحة ليست كلها دميمة المقاصد كما يزعم البعض، فهناك مصلحة عامة يجب على كل فرد تقديمها على مصلحته الفردية، وكذا يجب تقديم المصلحة الأخروية على المصلحة الدنيوية، فتقديم كلتا المصلحتين تجسيد حيٌّ للكتاب والسنة، وإعلاء شأنيهما سمو في الفكر ورشد في التصرفات.
فالمصلحة القبيحة المظهر الكريهة المخبر هي أن تكون النفس أولية والعامة ثانوية، والدنيا مقدمة والآخرة مؤخرة. وأثر هذا المظهر انتشار أمراض القلوب في مجتمعنا، ما متمثلة في فقد التراحم والتواد بين أفراد المجتمع، وشيوع التكابر والتحاسد بينهم، فيأكل بعضهم بعضا؛ ولله در الإمام الشافعي -رحمه الله- حيث يقول:
وليس الذئب يأكل لحم بعض *** ويأكـل بعضنـا بعضـا عيـانـا
وهذا -بلا شك- يستحضر جوا سقيما ما هو بعيد تمام البعد عن تعاليم القرآن الجليلة، فالقرآن حكى لنا كيف كان الأنصار يحبون المهاجرين في أتم صورة المحبة، ويقدمون المهاجرين ما لهم من الأموال على أنفسهم مع شدة حاجتهم إليها. قال تعالى حاكيا هؤلاء المخلصين المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾.
هلّا تصفحنا حياتنا اليومية!
فمما لا شك فيه أن نجد أنفسنا مغترين دائما ببعض الناس الذين يحاولون إشباع مصلحتهم فينا، ما يتمثل في اجتماعهم حولنا وصحبتهم إيانا، وتقربهم إلينا؛ والعجب العجاب أننا نحسب هذه المظاهر فضلا لنا، وما هي إلا الاغترار..
 فتلك المظاهر أساسها المصلحة؛ فكلما توفرت فيك مصلحة الناس، قربوك من كل ناحية من نواحي الحياة، ما تدعم مصلحتهم؛ فإذا انتهت المصلحة، أو انتهى فيك ما تملكه من مطامعهم، تركوك سدًى، وانصرفوا عنك محاولي البحث عمن تتوفر فيه مصلحتهم، وهكذا..
ويا للأسف! إننا قد يحزننا انصرافهم عنا شديد الحزن، إذ الإنسان عاجز بانفراده ماديا كان أو معنويا، فهو -بطبعه- مائلٌ دائما إلى التمتّع بمعيّة الناس له، وعاثرٌ على نفسه بصحبتهم إياه نوعا من الفخر، وليس من العجيب عندما نجد كلام أولئك المتقربين مزيّنا بالمدح الجمّ تجاهنا؛ لكن لو تأملنا سويّا، لوجدنا ثناءهم علينا وغيورهم إلينا ليس إلا استباحا لهم في إشباع مطامهم على أملاكنا.
فهذه الخسارة المعنوية والمادية لن يعيها إلا أصحاب العقول الرشيدة.
ولست أعني بما سبق أننا نستبعد الناس قاطبة فنعيش فريدا، كلا كلا! فهذا محال على الفطرة الإنسانية السليمة، فالإنسان -كما أثبته العلامة ابن خلدون- مدني بالطبع،  بمعنى أن الإنسان لن يستطيع العيش بمفرده، إذ الحياة الصحيحة تنبني على التكامل والتكافل، فكيف يتم التكامل والتكافل إذا كان وحيدا من غير معاشرة الناس؟!
إنما أعني بما سلف أن نقدر علاقتنا بالناس -ما تتمثل في الصداقة- تقديرا دقيقا، وهذا يذكّرنا بإمبراطور الأدباء عبد الله بن المقفع، عندما يتكلم عن الصداقة والصديق في «الدرة اليتيمة»، فها هو ذا الذي نصح بالدقة في اختيار الصديق، لأنه يرى في الأصدقاء عماد الحياة، ومرآة النفس، يفضي عليهم ببنات صدره، ودخائل نفسه، ويضع عندهم وحدهم مكنونات سره، ويضع عنه مئونة الحذر والتحفظ. وهكذا..
وأريد أن تكون العلاقة بيننا وبين الآخرين تنبني على الأساس الصحيح والفطرة السليمة، لا سيما إذا كانت مستنيرة بهدي القرآن والسنة، كما كان يمثّلها الأولون من سلف الأمة؛ قال الله تعالى مصورا الأخوة بينهم: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾؛ 
وفي الختام، ما أروع قول الأعرابي-الذي أورده أبو حيان التوحيدي في الصداقة والصديق- حينما سئل عمّن أكرم الناس عِشْرَةً، فقال: «من إن قرب مَنَح، وإن بعد مَدَح، وإن ظَلَم صَفَح، وإن ضويق فَسَح، فمن ظفر به فقد أفلح ونجح».
والله أعلم!
مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ٢٨ من إبريل ٢٠١٣ 
كتبه أحمد سترياوان هريادي، 
طالب الفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر الشريف، 
ورئيس تحرير مجلة "همة" لاتحاد الطلبة الإندونيسيين بجمهورية مصر العربية.

أيها العرب.. اهتموا بنا

ما ظنك لو كانت البلاد الإسلامية، التي هي مفخرة الإسلام اليومَ بأكبرعدد سكان المسلمين في العالم، لم تجد شأنها عند العرب، الذين -منذ القدم- تمتعوا بصحبة سيد المرسلين، ومشاهدة نزول الوحي الخاتم، واقتفوا آثاره مادية كانت أو معنوية؟
فهذا هو الواقع في بلاد جنوب شرق آسيا.
لو قارنَّا -من حيث العدد- بين سكان جنوب شرق آسيا المسلمين، وبين سكان العرب من بغداد العراق إلى رباط المغرب، لوجدنا عدد سكان جنوب شرق آسيا المسلمين يفوق العرب أضعافا مضاعفة. ويا للأسف! العرب لم يهتموا بهم.
ولو اتجهنا جغرافيا إلى دول جنوب شرق آسيا المسلمة، لبدت منها إندونيسيا وماليزيا وبروناي وسنغافورة وفطاني بجنوب تايلاند، وروهينيا بميانمار وفيلبين. وسكان هذه الدول تدينوا بدين الإسلام، غير أنهم لا يتكلمون بالعربية، ولم يجدوا -كما كان للعرب- حظا وافرا لمعرفة تعاليم الإسلام الأصيلة؛ إذ كانت الجزيرة العربية مسقط رأس الدولة الإسلامية في أيامها الأولى، ولا يدركوا حضاراته المزدهرة في القرون الوسطى من تقدمه في العلوم، وشتى مجالات الحياة.
وإذا ألفتنا نظرنا إلى تلك البلاد اليومَ نجدها تزدهر مسايرا فخامة الدول الغربية من حيث العلوم والصناعة. فلا غروَ، إذا وجدنا صلة وثيقة بينها وبين أمريكا والدول الغربية ما تتمثل في العلاقة السياسية والاقتصادية والعلمية.
أما من الناحية العلمية في إندونيسيا مثلا، فنرى طلبة البعثة العلمية الإندونيسيين حاليا في أمريكا وأوروبا يزدادون أضعافا على مرور السنين مما يستدعي إعجابنا، وهم ملتحقون بالكليات المتنوعة حسب ميولهم النفسية.
لكن من المؤسف أن بعضا منهم -منذ الستينات من القرن العشرين-  كانوا يتخذون جامعة «مكغيل» (McGill Univesity) الكندية، وجامعة «ليدن» (Leiden University) الهولندية وأمثالهما، منبعا لهم لتعاليم الإسلام والأفكار الإسلامية، ويدرسون فيها الإسلام ويتتلمذون على أيدي المستشرقين.
وبعد عودتهم إلى بلادهم، عينوا مدرسين وأساتذة بالجامعات الإسلامية في إندونيسيا. فلا عجب، إذا رأينا حاليا انتشار أفكار المستشرقين المشوهة للإسلام، والتقاليد الغربية المنحرفة انتشارا واسع المدى، التي لا ترضى أبدا أن يكون الإسلام مصدر التشريع لهذه الدولة، ولا تريد بتاتا أن يكون المسلمون متحدين. بل ومما يلفت أنظارنا، أن الطلبة الإندونيسيين في جمهورية إيران الإسلامية بلغوا الذروة من حيث العدد؛ حيث تشير الإحصائيات الجديدة ووسائل المعلومات الحديثة المعتبرة أن عدد الطلبة الإندونيسيين في إيران يفوق عدد الطلبة الإندونيسيين بالأزهر بأربعة آلاف طالب، وهم في إيران -بلا شك- يعدون هناك ليكونوا دعاة متشيعين ينشرون الأفكار الشيعية في المستقبل.
والآن نتساءل: أين العرب؟ كم سهمهم في محاولة دفاع هذا الهجوم الطاحن عن الإسلام؟ أهم مفتخرون بعطائهم العلمي الذي لا يساوي شيئا مما عليه الغرب والشيعة؟
إن سكان هذه الدول لا يحتاجون إلى العطاء المادي، كلا كلا! فإن تقدم دول جنوب شرق آسيا في العلم والصناعة والبناء، وأحوالها الاقتصادية، يتأبّيانِ عن التذلل لوجه العرب؛ بل إنما هم يحتاجون إلى العطاء الروحي. فما أحوجهم إلى من يعلمهم الإسلام كما كان للعرب في عصر الرسالة، وما أحوجهم إلى من يفهّمهم القرآن والسنة فيستنيرون بهُداهما، إنهم ليحتاجون إلى من يرد إليهم إيمانهم بهذا الدين الذي -كما قال الأستاذ سيد قطب- «يحملون اسمه ويجهلون كنهه، ويأخذونه بالوراثة أكثر مما يأخذونه بالمعرفة».
ونحن نعرف تماما أن العرب لن يستطيعوا بثّ دعوتهم في تلك المنطقة بمفردهم، فهم محتاجون إلى من يلمّ بطبائعها وتقاليدها ليكون مساعدا لهم. فها هم أولاء أبناء منطقة جنوب شرق آسيا الوافدون إلى الأزهر، حصن الإسلام والعربية الحصين. لكن يا للأسف! الأساتذة والدكاترة بالأزهر استخفوا من شأنهم أثناء المحاضرات بالكلية، وتجاهلوا أمورهم، واعتبروا وجودهم كعدمهم، بل تمتعوا بشرحهم الدروس بالعامية، وبمكالمة إخواننا المصريين فحسب.  
إذا كان الأمر كذلك، فكيف يحصلون أبناء جنوب شرق آسيا من الأزهر على العلم الذي -كما قال الشيخ يوسف القرضاوي- «يبين لنا الحق من الباطل في المعتقدات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والصحيح من الفاسد في المعاملات، والحلال من الحرام في التصرفات، والصواب من الخطأ في الأفكار، والمحمود من المذموم في المواقف والأفراد والجماعات»؟! كلا كلا!
إذا كان الأزهر -الذي هو منارة أملنا لمستقبل الإسلام في جنوب شرق آسيا- لم يهتم بتعليمنا وتربيتنا، فإلى أين نلجأ؟      
وإذا لم يفكر العرب في حل هذه الأزمات، وإزالة هذه العقبات، ومقاومة هذه التحديات، فأي شيء، ثم أي شيء، ثم أي شيء بعد ذلك يرجى منهم؟ []

مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، 9 من إبريل 2013م
أحمد سترياوان هريادي
طالب الفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر الشريف