أيها العرب.. اهتموا بنا

ما ظنك لو كانت البلاد الإسلامية، التي هي مفخرة الإسلام اليومَ بأكبرعدد سكان المسلمين في العالم، لم تجد شأنها عند العرب، الذين -منذ القدم- تمتعوا بصحبة سيد المرسلين، ومشاهدة نزول الوحي الخاتم، واقتفوا آثاره مادية كانت أو معنوية؟
فهذا هو الواقع في بلاد جنوب شرق آسيا.
لو قارنَّا -من حيث العدد- بين سكان جنوب شرق آسيا المسلمين، وبين سكان العرب من بغداد العراق إلى رباط المغرب، لوجدنا عدد سكان جنوب شرق آسيا المسلمين يفوق العرب أضعافا مضاعفة. ويا للأسف! العرب لم يهتموا بهم.
ولو اتجهنا جغرافيا إلى دول جنوب شرق آسيا المسلمة، لبدت منها إندونيسيا وماليزيا وبروناي وسنغافورة وفطاني بجنوب تايلاند، وروهينيا بميانمار وفيلبين. وسكان هذه الدول تدينوا بدين الإسلام، غير أنهم لا يتكلمون بالعربية، ولم يجدوا -كما كان للعرب- حظا وافرا لمعرفة تعاليم الإسلام الأصيلة؛ إذ كانت الجزيرة العربية مسقط رأس الدولة الإسلامية في أيامها الأولى، ولا يدركوا حضاراته المزدهرة في القرون الوسطى من تقدمه في العلوم، وشتى مجالات الحياة.
وإذا ألفتنا نظرنا إلى تلك البلاد اليومَ نجدها تزدهر مسايرا فخامة الدول الغربية من حيث العلوم والصناعة. فلا غروَ، إذا وجدنا صلة وثيقة بينها وبين أمريكا والدول الغربية ما تتمثل في العلاقة السياسية والاقتصادية والعلمية.
أما من الناحية العلمية في إندونيسيا مثلا، فنرى طلبة البعثة العلمية الإندونيسيين حاليا في أمريكا وأوروبا يزدادون أضعافا على مرور السنين مما يستدعي إعجابنا، وهم ملتحقون بالكليات المتنوعة حسب ميولهم النفسية.
لكن من المؤسف أن بعضا منهم -منذ الستينات من القرن العشرين-  كانوا يتخذون جامعة «مكغيل» (McGill Univesity) الكندية، وجامعة «ليدن» (Leiden University) الهولندية وأمثالهما، منبعا لهم لتعاليم الإسلام والأفكار الإسلامية، ويدرسون فيها الإسلام ويتتلمذون على أيدي المستشرقين.
وبعد عودتهم إلى بلادهم، عينوا مدرسين وأساتذة بالجامعات الإسلامية في إندونيسيا. فلا عجب، إذا رأينا حاليا انتشار أفكار المستشرقين المشوهة للإسلام، والتقاليد الغربية المنحرفة انتشارا واسع المدى، التي لا ترضى أبدا أن يكون الإسلام مصدر التشريع لهذه الدولة، ولا تريد بتاتا أن يكون المسلمون متحدين. بل ومما يلفت أنظارنا، أن الطلبة الإندونيسيين في جمهورية إيران الإسلامية بلغوا الذروة من حيث العدد؛ حيث تشير الإحصائيات الجديدة ووسائل المعلومات الحديثة المعتبرة أن عدد الطلبة الإندونيسيين في إيران يفوق عدد الطلبة الإندونيسيين بالأزهر بأربعة آلاف طالب، وهم في إيران -بلا شك- يعدون هناك ليكونوا دعاة متشيعين ينشرون الأفكار الشيعية في المستقبل.
والآن نتساءل: أين العرب؟ كم سهمهم في محاولة دفاع هذا الهجوم الطاحن عن الإسلام؟ أهم مفتخرون بعطائهم العلمي الذي لا يساوي شيئا مما عليه الغرب والشيعة؟
إن سكان هذه الدول لا يحتاجون إلى العطاء المادي، كلا كلا! فإن تقدم دول جنوب شرق آسيا في العلم والصناعة والبناء، وأحوالها الاقتصادية، يتأبّيانِ عن التذلل لوجه العرب؛ بل إنما هم يحتاجون إلى العطاء الروحي. فما أحوجهم إلى من يعلمهم الإسلام كما كان للعرب في عصر الرسالة، وما أحوجهم إلى من يفهّمهم القرآن والسنة فيستنيرون بهُداهما، إنهم ليحتاجون إلى من يرد إليهم إيمانهم بهذا الدين الذي -كما قال الأستاذ سيد قطب- «يحملون اسمه ويجهلون كنهه، ويأخذونه بالوراثة أكثر مما يأخذونه بالمعرفة».
ونحن نعرف تماما أن العرب لن يستطيعوا بثّ دعوتهم في تلك المنطقة بمفردهم، فهم محتاجون إلى من يلمّ بطبائعها وتقاليدها ليكون مساعدا لهم. فها هم أولاء أبناء منطقة جنوب شرق آسيا الوافدون إلى الأزهر، حصن الإسلام والعربية الحصين. لكن يا للأسف! الأساتذة والدكاترة بالأزهر استخفوا من شأنهم أثناء المحاضرات بالكلية، وتجاهلوا أمورهم، واعتبروا وجودهم كعدمهم، بل تمتعوا بشرحهم الدروس بالعامية، وبمكالمة إخواننا المصريين فحسب.  
إذا كان الأمر كذلك، فكيف يحصلون أبناء جنوب شرق آسيا من الأزهر على العلم الذي -كما قال الشيخ يوسف القرضاوي- «يبين لنا الحق من الباطل في المعتقدات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والصحيح من الفاسد في المعاملات، والحلال من الحرام في التصرفات، والصواب من الخطأ في الأفكار، والمحمود من المذموم في المواقف والأفراد والجماعات»؟! كلا كلا!
إذا كان الأزهر -الذي هو منارة أملنا لمستقبل الإسلام في جنوب شرق آسيا- لم يهتم بتعليمنا وتربيتنا، فإلى أين نلجأ؟      
وإذا لم يفكر العرب في حل هذه الأزمات، وإزالة هذه العقبات، ومقاومة هذه التحديات، فأي شيء، ثم أي شيء، ثم أي شيء بعد ذلك يرجى منهم؟ []

مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، 9 من إبريل 2013م
أحمد سترياوان هريادي
طالب الفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر الشريف

0 comments:

إرسال تعليق