قال عمر بن الخطاب

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن

قال حكيم من الحكماء

أربعة توصل إلى أربعة: الصبر إلى المحبوب، والجد إلى المطلوب، والزهد إلى التقى، والقناعة إلى الغنى

قال زيد بن علي

ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه

قال أحد الأدباء

مهما يكن احتفالنا بيوم الفراق، واغتباطنا ساعته؛ فإن الفراق لا بد أن يترك فيما بعد كما هائلا من الوحشة

قال حكيم

كن بعيد الهمم إذا طلبت، كريم الظفر إذا غلبت، جميل العفو إذا قدرت، كثير الشكر إذا ظهرت

هذا الذي نريده من الطلبة الإندونيسيين

بقلم: أحمد سترياوان هريادي
طالب الفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة
ورئيس التحرير لمجلة "همة" لاتحاد الطلبة الإندونيسيين بمصر
 
للحياة آمال لا تعد، وتزداد بغِيَر الدهر، حتى لكثرتها تُنسى وتفوت، والناس نوعان؛ فمنهم من في الحياة متيقّظ ومنهم نائم. فأما المتيقظ فسرعان ما يسلك المسلك الذي خططه لنفسه ليكون ما يشاء في الحال والمستقبل، ويبذل في نيل المطالب جهدَه إلى حدّ ما، وروح المتفائل ممتزجة في حركاته وسكناته، فتطمئن قلبه، ويستقر ضميره، متوكلا على الله جل شأنه. وأما النائم فهو عن حياته متجاهل، فلا يبالي بما له ومن حوله، وهو في الحقيقة ميّت بَيْدَ أن نفسه حيّة تسعى، وآماله تزداد طولا غير أنه باق على حاله كالماء الراكد، وهكذا.
وحياة الطالب كالتي أبنّاها فيما سبق، وهذا الطالب يعتقد كل الاعتقاد أنه لن يُترك سدًى، وإن مع اليوم غدا، والناس –كما قال الهمذاني في "المقامات"– رجلان : عالم يرعى ومتعلم يسعى. والطالب ككونه متعلما باذلٌ جهدَه كل الجهد في طلب العلم والمعرفة، مثقّفٌ نفسَه، تاركٌ مقرَّه، فسار في الأرض سير الفحول من أئمة هذه الأمة، وأدرك قيمة الزمان بحذافيرها، فينتهز بفرصة الحياة، وهو على هذا السبيل من الجيل المتيقظ، وشتّان بين هذا الجيل وبين الجيل النائم، فإن هذا الجيل –أعني الجيل النائم– من الباقين الذين هم هاملو نَعام وراتعو أنعام، لايقرأ ولا يتعلم، وهو عن قافلة الحياة من المتروكين، وليس له في البناء والعطاء سهم، ولا في هذا العالم موقع، ولا يزال عقله صغيرا، ونسي أن الدنيا والدين –كما قال الدكتور عائض القرني في "مجالس الأدب"– أساسها القراءة.
والطلبة الإندونيسيون في مصر منذ أوائل القرن العشرين الميلادي إلى يومنا هذا أنواع شتى باعتبار أصولهم وقبائلهم، ويزدادون كثرة على مرّ الأزمان. فأما السابقون منهم بجهودهم معروفون، وغزيرتهم في العلم مشهورون، وعلى قلة المال وصعب المعيشة مقتنعون. وأما المتأخرون على العكس؛ فالحياة لهم سهل ميسور، والزاد في طلبهم العلمَ وفير ممدود، والأشياء المقوِّمة للحياة العلمية متنوعة الوجود، ولكنّا لم نر هؤلاء في تخصصاتهم الدراسية نابغين، والبحث عمن يتمسك منهم بخصائص الطالب المتعلم صعب عسير المنال.
ونرى عددهم حاليا بلغ أربع آلاف طالب، وهم في مختلف المراحل الدراسية منتشرون، وهذا –بلا شك– عدد غير قليل، والسؤال المطروح: أهذا المشهد دليل على أن غيور الطلبة الإندونيسيين إلى التخصص في مجال الدراسات الإسلامية والعربية –وخاصة التحاقهم بالأزهر الشريف– أصبح متطوّرا إلى حدّ ما؟ والجواب: نعم، إذا كان نظريا، لكن الحق الواقع على خلاف ذلك، فالأزهر أصبح لهم مفَرّا لا غايةً، لأن قدرتهم العلمية تمنعهم وتأباهم كل الإباء من الالتحاق بالقسم العلمي بالجامعات الحكومية المتقدمة في إندونيسيا، ومع الخشية من القيل والقال لما كان عليهم من عدم السمح لهم بالالتحاق، فالسفر لهم أحسن مخرجا، ومصر لهم أيسر ملجأ، والأزهر لهم أليق مكانا.
بعد أن عرفنا سرَّ كثرتهم فلنستعرض القول في أكاديمياتهم، والواقع أن معظمهم يتخذون "مدينة نصر" لهم مقرّا، وقليل من سكن ما عداها، والنشاط الاقتصادي والتنظيمي أعظم الأنشطة شائعة، فالكل يشتغلون إما في النشاط الاقتصادي أو النشاط التنظيمي، وما عداهما فحياته هي منزله، فقضى الدهر كله فيه، وبلغ منتهى القلّة من أحيا أيامه في ظلال العلم، وهذا الجيل منهم فالكتاب جليسه، ومشافهة الشيوخ أيامه، والصبر على المشقة هويّته، وهو عن اللهو والمجون عاكف، وللجهد والمثابرة بارز، لعل نتيجة الامتحان أقوى دليل على ما نقول، فالناجحون في العام الدراسي السابق بلغ 57 % منهم، والحاصلون على تقديري الامتياز وجيد جدا أقل من خمسين طالبا وطالبة.
وهذا القليل النادر هو الذي لقيَم العقل والعلم والزمان فاهم، وعن العقل يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: العقل نور في القلب يفرِّق به بين الحق والباطل. وقال أحد حكماء العرب: إذا منعك عقلُك عما لا يعنيك فأنت عاقل. وكل شيء –كما قال الزمخشري في "ربيع الأبرار"– إذا كثُر هان ورخُص، إلا العقل، فإنه إذا كثُر عزّ وغلا. وقال أعرابي: لا مال أوفر من العقل، ولا فقر أعظم من الجهل. وقد روى صاحب "روضة العقلاء ونُزهة الفضلاء" قول الشاعر:
وأفضـــــل قسَــم الله للمــــرء عقــلُه    فليس من الخيرات شيء يقارِبهْ
إذا أكمــــل الرحمن للمــرء عقــــلَه    فــقــــد كــمُلتْ أخــــلاقُــه ومـــآربــهْ
يعيش الفتى في الناس بالعقل إنه   على العقل يجري علمُه وتجارِبهْ
يزيد الفتى في الناس جودةُ عقــله   وإن كان محظورا عليه مكــــاسـبهْ
يشين الفتى في الناس خِفَّـة عقــله   وإن كـــرُمت أعــــراقُــــه ومنـــاســـبه
   وعن العلم يقول سيد الأخيار صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقا التمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة. وقال صلى الله عليه وسلم: لن يشبع مؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة. قال علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفا أنه يدّعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل خسّة أنه يتبرّأ منه من هو فيه، ويغضب إذا نسب إليه. وقيل لكسرى: أيحسن بالشيخ التعلم؟ فقال: كل من يقبح به الجهل يحسن به التعلم. وإنما نورد هذه الأقوال لمن كان لقيمة العلم متجاهل، ولطلبه متكاسل. وإن العلم للإسلام –كما يقول الشيخ محمد الغزالي في "خلق المسلم"– كالحياة للإنسان، ولن يجد هذا الدين مستقرا له إلا عند أصحاب المعارف الناضجة والألباب الحصيفة. اهــ
وعن الوقت فقد أهمل معظمهم فرصة التي أتاحها الله لهم من حلاوة التعلم بالأزهر الشريف، ولعل هذه أغلى ما يملكها كل واحد منهم في بناء الملكة العلمية والثقافية، ولكن الأسف أنه بضَياع الزمان راضٍ، ولندامة المستقبل قابل، ومن نتيجة ضَياع الزمان –كما قال أحمد أمين في "فيض الخاطر"– ضَياع كثير من منابع الثروة كان يمكن أن تُستغلَّ لولا إهمالُ الزمان والجهلُ باستعماله، وكذلك نتيجة ضياعه كسادُ الكتب، وعدمُ قراءتها، والرضا بالجهل. وعن الزمان فقد كتب فحول هذه الأمة، ولعل كتاب "قيمة الزمان عند العلماء" من أحسن ما ألف فيه، فقد أورد صاحبه بيت الوزير الصالح يحيى بن هبيرة:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه     وأراه أسهل ما عليك يضيع
 وعلى كل حال، لا نريد من الطلبة الإندونيسيين شيئا، إنما نريد منهم بهذه الفرصة العظيمة ينتهزون، فبالنجاح الباهر والأرباح الممتعة إلى إندونيسيا عائدون.

مدينة البعوث الإسلامية، 23 من رمضان 1433هــ