قال عمر بن الخطاب

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن

قال حكيم من الحكماء

أربعة توصل إلى أربعة: الصبر إلى المحبوب، والجد إلى المطلوب، والزهد إلى التقى، والقناعة إلى الغنى

قال زيد بن علي

ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه

قال أحد الأدباء

مهما يكن احتفالنا بيوم الفراق، واغتباطنا ساعته؛ فإن الفراق لا بد أن يترك فيما بعد كما هائلا من الوحشة

قال حكيم

كن بعيد الهمم إذا طلبت، كريم الظفر إذا غلبت، جميل العفو إذا قدرت، كثير الشكر إذا ظهرت

الطلبة الإندونيسيون وتنمية المهارة الأكاديمية الجامعية


بقلم: أحمد سترياوان هريادي
طالب الفرقة الثانية بكلية الدراسات الاسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر
ورئيس التحرير لمجلة "هــمــة" لاتحاد الطلبة الإندونيسيين بجمهرية مصر العربية

النمو في الكون سنة من سنن الله عز وجل، والنمو -كما عرفنا- لا يقتصر على الكائنات الحية، بل يشمل جميع أنواع الكائنات، سواء أكانت حية كالإنسان والحيوانات والنباتات، أو ميتة -كما أصدرتها التجارب المعاصرة- كالسماء والنجوم والكواكب والأرض والجبال وغيرها من الكائنات الميتة، فكلها تنمو -إما ظاهرية وباطنية- تحت أمره ورعايته عز وجل.
كذلك ما نجده في الإنسان، فإنه لايقتصر على ظاهريته كما نراها، وإنما يشمل جميع معنويته، كنمو وتطور عقله وبصيرته وثقافته يوما بعد يوم، وإذا كان الأمر كذلك، فمن الإطلاق أن نجد هذا النمو والتطور في جميع أقطار الحياة الإنسانية وطبقات الحياة الدراسية للإنسان، فنجد مثلا طبقات المراحل الدراسية؛ من المرحلة الابتدئية ثم الإعدادية ثم الثانوية ثم الجامعية، كما نحن فيها الآن.
ونمعن النظر في هذه المرحلة الأخيرة، ألا وهي المرحلة الجامعية، كما نمعن النظر أيضا في المجتمع الطلابي الإندونيسي بالقاهرة؛ ومن المعلوم أن معظم أفراد هذا المجتمع يدرسون في المرحلة الجامعية وأغلبهم يأخذون الأزهر الشريف جامعة لهم. إذن، نفهم من خلال هذه العبارة أنهم تركوا بلدهم للهدف العام الوحيد، ألا وهو أخذ هذا الدين من منبعه الأصيل الأزهر العريق، ونشره في بلدهم على المفهوم والمنهج الوسطي كما كان عليه الأزهر منذ ألف عام، ويندرج تحت هذا الهدف الكريم أهداف مشتركة وكثيرة ترجع إلى أفراد هذا المجتمع نفسه ولا يتسع المقام إلى ذكرها.
وإذا نظرنا إلى أحوال هذا المجتمع الطلابي الإندونيسي بإمعان، لنجد أفراد هذا المجتمع تتكون من مختلف المحافظات والجزر والعادات المحلية واللهجات، بل واللغات؛ ومن ثم انقسمت أفراد هذا المجتمع إلى المنظمات الأسرية المحلية كأسرة الطلبة الإندونيسيين من بالي ونوسا تنجارا، والمذهبية كجمعية نهضة العلماء والجمعية المحمدية؛ وتنوعت أيضا الأنشطة التي يداومها أفراد المجتمع، كاشتراكهم في النشاط الديني كعقد حلقات المناقشة الإسلامية الدورية على حسب موضوع ما، وعقد الندوات العلمية والتدريبات العملية في تقوية المهارة النفسية؛ والرياضي كتدريب فن الدفاع النفسي، ولعب كرة القدم أو كرة السلة؛ وغيرها كثير من الأنشطة التي لم نذكرها بالتفصيل كالنشاط الاجتماعي والاقتصادي.
وهذه كلها تؤيد وتحقق أن هذه الأنشطة الكثيرة المزدحمة قد حولت اهتمامهم وانتباههم عن هدفهم الأصيل وغايتهم المأمولة حتى ينسوا هويتهم الرفيعة كالدارسين في المرحلة الجامعية غير أنهم لا يحضرون المحاضرات في الكلية ولا يتلقّون العلوم الدينية بالجامع الأزهر؛ بل ومن الأسف الشديد أن بعض أفراد هذا المجتمع لا يشتركون في أنشطة ما، ولا يحضرون المحاضرات، ولا يتلقون العلم في مكان ما، وإنما يمكثون في مساكنهم يضيعون أوقاتهم بالجلوس أمام الكمبيوتر متصفحين الإنترنت، أو يلعبون "بلاي ستيشن"، ثم يأخذون ساعات ليستريحوافيها ويناموا بعد أن يتعبوا من هذه الأعمال الدنيئة، وهكذا يقضون أوقاتهم كل يوم.
فلا غرو في آخر العام الدراسي، لنجد أغلبهم إما راسبين أو ناجحين بتقدير دنيء حقير يُستحيى ذكره إذا سأل عنه سائل، وقليل منهم من يمارس القراءة والحفظ ويقوي وينمي مهارته الفردية الأكاديمية ككونه طالبا جامعيا، ويلازم الحضور في المحاضرات التي تنفعه في المستقبل، حتى نجد -كما نرى في العام الدراسي السابق- من حصل على "الامتياز" لا يزيد عن عشرات وكذلك الحاصلون على تقدير "جيد جدا" لا يزيد عن خمسين طالبا من ثلاث آلاف وخمسمائة طالب، ولا شك أن هذه المظاهر الحزينة أصبحت مشكلة كبيرة لدى الطلبة الإندونيسيين أنفسهم على الوجه الأخص وسفارة جمهورية إندونيسيا بالقاهرة كراعيتهم على الوجه الأعم.
ويبدو أن سبب رسوبهم ليس من أجل بلادتهم وغباوتهم وحماقتهم، بل عدم اهتمامهم وانتباههم بأنفسهم فيتكاسلون ويسوفون في المذاكرة والمواظبة حتى فاتتهم الفرصة وذهب عنهم النجاح، وسنة الحياة أن من جدّ واجتهد وتعب؛ حصل وأفلح وفاز.. كمن زرع حصد ومن صبر ظفر، وقد اعترف كثير من النابغين والعباقرة -كما قال الدكتور القرني- أنهم لم يحصلوا على التفوق بذكائهم المفرط بل بمثابرتهم وجدّهم؛ إذن فمن الضرورة أن يعترف كل واحد من أفراد هذا المجتمع بنفسه، ثم يعتزل ويجلس طويلا ويفكر في حقيقة وجوده في هذا البلد، ثم يفكر في أنه سوف يرجع إلى بلده في يوم من الأيام بالنجاح الباهر والأرباح الممتعة، ومن ثم يجب عليه أن يبدأ إصلاحاته النفسية من الآن ويرتب أولوياته ككونه طالبا جامعيا مثل تنمية المهارة الأكاديمية التي لا تأتي إليه إلا بالمنافع في مستقبله.
ومن الجدير معرفته أن لهذه الحياة فنونا، وفن الحياة الأكبر-كما قال محمد إبراهيم سليم، صاحب المرشد الأمين- هو الانتفاع بالفرصة الذهبية التي تمرّ بنا أحسن انتفاع، وقطف الثمار الطيبة من كل ما تصل إليه أيدينا بعرقنا وجهدنا؛ ويبدو أن هذا الفن الأكبر يناسب ما نحن عليه في هذه الحياة، فكوننا في مصر حاليا ربما أكبر وأغلى فرصة لنا لتأسيس مسير حياتنا الحقيقة في المستقبل ولتقوية وتحقيق ما لدينا من العلوم الدينية واللغوية والاجتماعية في إندونيسيا، لأن مصر التي نحن فيها بلد الأزهر الشريف وبلد العلم والعلماء، وأوْلاها لتنمية المهارة الأكاديمية الجامعية.

مدينة البعوث الإسلامية، 12 نوفمبر 2011م